كلية الإعلام بجامعة الأزهر .. الواقع والتحديات والطموح

د. عرفه أحمد عامر

  • 19 يناير, 2018
كلية الإعلام بجامعة الأزهر .. الواقع والتحديات والطموح

تُمثل كل كلية وكل تخصص في أي جامعة توجهًا تخصصيًا معينًا يتناسب مع اسمها الذي يعبر عنها، وعن التخصصات القائمة فيها سواء كانت كلية نظرية أو عملية، فكلية اللغة العربية – مثلاً – تخدم بتخصصاتها اللغةَ العربية من خلال تخصصات النحو والصرف والبلاغة والأدب وأصول اللغة وتُخرِّج علماء اللغة ومدرسي اللغة العربية، وكلية الشريعة – كذلك – تخدم الفقهَ الإسلامي وأصولَه والشريعةَ في المذاهب الإسلامية والفقهَ المقارن، وتُخرِّج علماء الشريعة والمدرسين للشريعة والتربية الإسلامية، والكليات الحديثة مثل الطب والصيدلة والعلوم والزراعة وغيرها تُقدِّم بتخصصاتها خدمةً للمجتمع وللبشرية في مجالاتها المختلفة.

والدراسات الإعلامية في أي جامعة سواء كانت أقسامًا أو كليات تُمثِّل واجهةً حضاريةً وإعلاميةً للجامعة، تتبوأ مكان الصدارة فيها، أو هكذا ينبغي أن تكون، لأنها هي التي تُقدِّم بفنييها وخريجيها كل تخصصات الجامعة بما تحوي من إمكانيات وكوادر علمية وفنية، وتستطيع أن ترسم لها صورة ذهنية طيبة على المستوى الداخلي والخارجي، وهي المرآة التي تنعكس عليها أشعة بقية كليات الجامعة وتخصصاتها، والمتحدث الرسمي باسمها في وسائل الإعلام، وتُمثِّل المعبر الذي تعبر من خلاله ومن خلال خريجيه كل كليات الجامعة إلى المجتمع المحلي والخارجي.

وكلية الإعلام في جامعة الأزهر الشريف هي من أحدث كليات الجامعة، وذلك أنها جاءت استجابة لتطلعات المجتمع وتناغمه مع تكنولوجيا الاتصال وعلومه وأساليبه الحديثة التي أصبحت ذات أصول وقواعد مستقرة، فلم يعد العصر وسوق العمل يحتمل الاعتماد على مجرد الرغبة في التواصل مع البشر كهواية اجتماعية، كما كان الحال في عصر ما قبل الاتصال الجماهيري، دون دراسة متخصصة وتدريب على أعلى مستوى. مع العلم بأنَّ الدراسات الإعلامية في جامعة الأزهر قد تأسست منذ اثنتين وأربعين عامًا على وجه التحديد.  وتنتمي كلية الإعلام بتخصصاتها الأربع: الإذاعة وتشمل الراديو والتليفزيون والفضائيات، والصحافة والنشر، والعلاقات العامة والإعلان، والإعلام الإليكتروني، إلى الكليات العملية. وكل هذه التخصصات تُدرِّس مواد أساسية في الإعلام من فنون التحرير والإعداد والإخراج والتخطيط والدعاية والإقناع والحاسب الآلي ...إلخ، في كل الأقسام، بالإضافة إلى المواد المعاونة.

وإذا كانت كلية الإعلام محظوظة أقصد (مدعومة) وحصلت على كل وسائل وأساليب الدعم المادي والفني والمعنوي فإنَّها يمكن أن تتحول إلى مركز إنتاج وتدريب يُمثِّل موردًا مالياً للكلية من خلال الإنتاج الإعلامي والإعلاني للأزهر الشريف بقطاعاته المختلفة وللقطاعات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة، وكذلك التدريب الإعلامي لقطاعات وتخصصات مختلفة من قطاعات المجتمع وتخصصاته، وكل ذلك يمثل حقلاً تدريبيًا ومعرفيًا لأبنائنا من الطلاب والدارسين، وبهذا يمكن أن نواكب ونلاحق مستجدات العصر في تقنية الاتصال ونظم المعلومات، ونتخلص من الفجوة الحضارية بيننا وبين العالم الخارجي في هذا المجال.

وكلية الإعلام في جامعة الأزهر تجمع بين الثقافة الإسلامية والإعلامية والحضارية، فهي تمارس الدعوة إلى الإسلام بالأسلوب المباشر، بل والدعاية له بالأسلوب غير المباشر، وأراها واجهة حضارية حقيقية وإيجابية للأزهر الشريف، من خلال أبنائها وخريجيها. وحتى تتمكن الكلية من أداء رسالتها وواجباتهاعلى الوجه المرضي في تخريج إعلاميين مهنيين مهرة يتبوؤون مواقعهم الإعلامية عن جدارة واستحقاق، فلابد من التركيز على الجانب التدريبي العملي بالإضافة إلى الدراسة النظرية، وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ خريجي الكلية يتبوؤون مكان الصدارة في كثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية الآن، ولكنَّ الواقع يتطلب إنشاء وتأسيس الاستديوهات العصرية المختلفة للتدريب وللإنتاج والمونتاج وبقية الفنون الإذاعية، وكذلك تأسيس المطابع على أحدث النظم، ومعامل الحاسب الآلي، وعندها سوف تكون كلية الإعلام مركزاً إعلامياً إنتاجياً وتدريبياً تزوِّد قناةَ الأزهر الشريف بالمذيعين والإذاعيين المهنيين المهرة، وصحافةَ الأزهر بالصحفيين والمتخصصين في الفنون الصحفية المختلفة الذين يمكنهم أن يكونوا مصدر اكتفاء لمطبوعات الجامعة والأزهر بعمومه، ومركزاً عالمياً للتدريب الإعلامي ينافس غيره من المراكز الإعلامية العالمية.

وحتى يتحقق هذا لابد من توفير مبنى يتسم بخصائص ومواصفات معينة يتسع لتأسيس بنية تحتية لايفكر أحد في تغييرها واستبدالها بأخرى على المدى القريب أو المتوسط، وتتسع لما يستجد من أمور، نظرًا لأنَّ هذا النوع من التخصص لايزال محل تطوير وتحديث. نريد مبنى يتسع للدراسة (محاضرات عامة وسكاشن) والتدريب والإنتاج والمكتبات والاطلاع والاستماع والعرض الصوتي والضوئي، وورش العمل وإقامة المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية التي يُدعى إليها ويشارك فيها المتخصصون من التخصصات ذات الصلة والعلاقة القوية بالإعلام وفنونه المختلفة. أما المبنى الحالي فهو يلبي القدر الضروري من المحاضرات وأعمال الإدارة اللازمة لكنه لا يتناغم مع طموحات الكلية متمثلاً ذلك في الرغبة الدفينة لدى أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم في النهوض بالكلية لتحتل مكانتها اللائقة بها ككلية عملية عظيمة في جامعة من أعظم الجامعات على مستوى العالم. وحينها تتمكن الكلية من التقدم للحصول على شهادة أو إجازة الاعتماد والجودة العالمية والتنافس على أعلى مستوى، وتصبح كلية عالمية تستمد عالميتها من عالمية الأزهر الشريف، والذي يستمد عالميته من عالمية الإسلام العظيم الذي يدعو إليه.

طباعة
أبواب: مقالات
Tags:
Rate this article:
3.0

Please login or register to post comments.

x

Copyright 2024 by Al-Azhar Al-Sharif Terms Of Use Privacy Statement
Back To Top