مقال فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد الحليم منصور ، عميد الكلية بجريدة صوت الأزهر بعنوان " ضوابط الإحتفال بالمولد "  في ميزان الفقه الإسلامي

مقال فضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد الحليم منصور ، عميد الكلية بجريدة صوت الأزهر بعنوان " ضوابط الإحتفال بالمولد " في ميزان الفقه الإسلامي

يثار جدل عريض في كل عام حول مشروعية الاحتفال بمولد الحبيب عليه الصلاة والسلام ، بين بعض التيارات الفكرية في مصر والعالم العربي والإسلامي ، وقد اختلف العلماء بشأن هذه المسألة على رأيين :
الرأي الأول : ويرى القائلون به مشروعية الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام ، وفقا للضوابط والأصول الشرعية المعتبرة في ذلك .
الرأي الثاني : يرى القائلون به حرمة الاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام ، وأنه من البدع المستحدثة في دين الله عز وجل ، وأن القرآن الكريم والسنة النبوية لم يشرعان هذا الاحتفال ، فلم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة من بعده .
الرأي الراجح : يبدو لي رجحان الرأي الأول القائل بمشروعية الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام وذلك بما يأتي .
أولا – الأصل في الأشياء الإباحة : وهذه قاعدة عامة تتناول بيان الأصل الشرعي لكل المعاملات والتصرفات التي يقوم بها البشر في سلوكياتهم وعباداتهم ، وليس ثمة دليل يدل على منع هذا الاحتفال فيبقى الأمر على مقتضى العموم سالف الذكر .
ثانيا – في الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام تجديد للدين في نفوس الخلق ، وهذه مهمة العلماء ، الذين يذكرون بالناس بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وبأخلاقه ، ومبادئه ، وتصرفاته ، وسيرته العطرة ، مع أهل بيته ، ومع جيرانه ، وأصحابه ، وأعدائه ، وفي ذلك كله تجديد للدين من جديد في نفوس العباد ، وحثهم على اقتفاء أثر نبيهم في الاتباع .
ثالثا – في الاحتفال بالنبي عليه الصلاة والسلام شكر للنعمة التي أسبغها الله عز وجل على عبادة ، حيث كان النبي عليه الصلاة والسلام سببا في إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الشرك إلى الإيمان بالله ، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وكل هذه نعم تستوجب الشكر قال تعالى :" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " إبراهيم ، آية: (7) وقال عز وجل :" فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ النحل : (114) وقال تعالى :" وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" النمل (40)
رابعا – قال تعالى :" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" يونس ، آية : (58) ومحمد عليه السلام أفضل نعمة ، وأعظم فضل على البشرية ، يستوجب الفرح ، والشكر ، اعترافا بفضل الله ، وبفضل النبي عليه الصلاة والسلام على البشرية .
خامسا – ورد أيضا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوم الاثنين ، الذي ولد فيه ، ولما سئل عن ذلك قال :" ذاك يوم ولدت فيه " وهذا يدل دلالة واضحة على جواز الاحتفال بهذا اليوم ، من عموم المسلمين ، مثلما فعل النبي عليه الصلاة والسلام .
سادسا – ما ذهب إليه القائلون بأن في هذا الاحتفال بدعة فإننا لا نسلم به وعلى فرض التسليم بأن الاحتفال بمولده  بدعة ، إلا إنها بدعة حسنة ، وليست بدعة سيئة. فليست البدعة كل ما استحدث بعد رسول الله بإطلاق؛ فقد استحدث المسلمون أشياء كثيرة لم تكن في عهده ، ولم تُعد بدعة، مثل استحداث عثمان أذانًا آخر يوم الجمعة بالزوراء " مكان خارج المدينة " لما كثر الناس ، واتسعت المدينة، ومثل استحداثهم العلوم المختلفة ، وتدريسها في المساجد ، مثل علم الفقه ، وعلم أصول الفقه ، وعلم النحو ، والصرف ، وعلوم اللغة ، والبلاغة، وكلها علوم لم تكن على عهد النبي  ، وإنما اقتضاها التطور، وفرضتها الحاجة، ولم تخرج عن مقاصد الشريعة، بل هي لخدمتها ، وتدور حول محورها، فما كان من الأعمال في إطار مقاصد الشريعة لا يعد من البدعة المذمومة .
سابعا- كما أن قولهم بعدم احتفال الصحابة به غير مسلم أيضا فقد ورد في السنة النبوية ما يدل علي احتفال الصحابة الكرام بالنبي,  مع إقراره لذلك وإذنه فيه, فعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله في بعض مغازيه, فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله, إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغني, فقال لها رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي, وإلا فلا, رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. فإذا كان الضرب بالدف إعلانا للفرح بقدوم النبي من الغزو أمرا مشروعا أقره النبي وأمر بالوفاء بنذره, فإن إعلان الفرح بقدومه صلي الله عليه وسلم إلي الدنيا- بالدف أو غيره من مظاهر الفرح المباحة في نفسها- أكثر مشروعية وأعظم استحبابا.
ضوابط الاحتفال :
وإذا كنت قد رجحت جواز الاحتفال بمولد الحبيب عليه الصلاة والسلام إذ هو الأصل في سائر الأمور والتصرفات حتى يتأتى دليل المنع ، وهذا أقل تعبير عن حبنا للحبيب عليه الصلاة والسلام ، الذي قال :" لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين "فإن هذا الاحتفال يجب أن يحاط بمجموعة من الضوابط منها : عدم اختلاط الرجال بالنساء بشكل فاضح يؤدي إلى المحرمات ، ومنها : ألا يكون الاحتفال قاصرا على التطبيل والتزمير ، بل يكون بصوم يوم مولده ، ومذاكرة سيرته ، واتباع أخلاقه ، ولا بأس بأكل الحلوى ، والتوسعة على الأهل والعيال ، في إطار قوله تعالى :" ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " وبالله التوفيق .

طباعة
36645 Rate this article:
لا تقييم

Please login or register to post comments.

x

اتصل بنا

تليفون : 0504734465

فاكس : 0504734465

العنوان : تفهنا الاشراف - مركز ميت غمر - دقهلية - طريق ميت غمر الزقازيق

 

 

Copyright 2024 by Al-Azhar Al-Sharif Terms Of Use Privacy Statement
Back To Top