يقول فضيلة الدكتور نزية عبد المقصود مبروك عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا الأسبق والأستاذ بجامعة الأزهر..إذا كان الله تعالى قد فضل بعض الأماكن على بعض ففضل مكة على سائر الأماكن ، وفضل بغض الرسل على بعض ففضل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الرسل ، وفضل بعض الأيام على بعض ففضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، فإنه سبحانه وتعالى فضل بعض الشهور على بعض ففضل شهر رمضان على سائر الشهور ، ومما يؤكد ذلك أن شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذى ذكر فى القرآن فقال تعالى " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " .
واختص المولى سبحانه وتعالى هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة :
فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان "
وهو شهر المغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم .
ويضيف من صامه وقامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه)، وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال أيضاً: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم : إذا كان أول ليلة من رمضان نظر الله إلى خلقه وإذا نظر الله إلى عبده لم يعذبه أبدا ، ولله فى كل يوم ألف ألف عتيق من النار فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق فى الشهر كله ) وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، ففي الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتِّحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين)
وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصوم نصف الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر:10).
وهو شهر الدعاء، قال تعالى بعد أن ذكر آيات الصيام {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة:186)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين ).
وهو شهر الجود والإحسان؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في الصحيح- أجود ما يكون في شهر رمضان وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، والمحروم من حُرِم خيرها، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر:3) .
روى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحْرَم خيرَها إلا محروم )
وفى هذا الشهر أعطى المولى سبحانه وتعالى أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم خمس خصال لم يعطهن لنبى قبله ، روى البيهقى من حديث جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أعطيت أمتى فى شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبى قبلى :
أما الأولى : فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله عز وجل إليهم ومن ينظر الله إليه لم يعذبه أبدا .
وأما الثانية : فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك .
وأما الثالثة : فإن الملائكة تستغفر لهم فى كل يوم وليلة .
وأما الرابعة : فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها استعدى وتزينى لعبادى أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى دارى وكرامتى .
وأما الخامسة : فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعا ، فقال رجل من القوم أهى ليلة القدر ؟ فقال : لا ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم .