الأزهر الشريف واستقبال رمضان المبارك

بقلم د محمد سالم الصعيدي الأستاذ بجامعة الأزهر كلية اللغة العربية بالمنصورة

  • 22 مارس, 2023
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛؛
لا شك أن الأزهر كعبة العلم, وقلعة الشريعة, وحصن العربية, ومنارة الفنون والمعارف, وهو لسان حال الشريعة, ومبعوث السلام والوسطية, ولله در شوقي حيث قال: قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا ... وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا وَاِجعَل مَكـــــانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ ... فــــــي مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا
وَاِذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّماً ... لِمَســــــاجِدِ اللَهِ الثَـــــــــــــــلاثَةِ مُكبِرا
وَاِخشَع مَلِيّاً وَاِقضِ حَقَّ أَئِمَّةٍ ... طَلَعــــــوا بِــــــهِ زُهراً وَمــــــــاجوا أَبحُرا
ولعل النقش الذي يزين باب المزنيين حتى الآن يشير لعظم ورفعة ومكانة الأزهر حيث جاء فيه:
إن للعلـــــم أزهـــــــرًا يتسامى ... كسماء ما طاولتها سماء
رب إن الهدى هداك وآياتك ... نور تهدي به من تشاء
والحديث عن قيمة الأزهر يحتاج لمجلدات, ولا تكفيه ولن تكفيه!
ومن مظاهر الجمال في الأزهر احتفاله واحتفائه بشهر رمضان المعظم.
فإذا كان الأزهر قد سبق الدنيا كلها في نظمه العلمية والتعلمية المتكاملة, وشجع علي التكافل, وقدم كل وسائل الراحة وسبل الرفاهية لطلاب العلم, ونشر العلم شرقا وغربا, فإن للأزهر مع رمضان ذكريات خاصة, ومبهجة, وكل حجر وركن في أركان وزوايا هذا الجامع العتيق, تنطق بجمال وعبقرية الأزهر , وتشتم منها رائحة رمضان المعظم كما لم نراه من قبل!
فمن جميل القدر, ومن حسن الطالع, أن أول جمعة أقيمت في الأزهر الأنور, والبدر الأفخر كانت في شهر رمضان المعظم في سنة 361 هـ / 972 م, وسط اجواء ملؤها البهجة والسعادة والبشر والسرور حتى أن الفاطميين كانوا يحتفون بالأزهر عن غيره, الأمر الذي الحاكم بأمر الله خصص له تنورين (ثريتين كبيرتين) وسبعة عشر قنديلا من فضة للإضاءة في رمضان. وكانت الأنوار تظل طوال الليل مع قراءة القرآن وصلاة التهجد هذا بجانب التوسعة على الفقراء والمساكين في هذا الشهر الفضيل من خلال أروقة الأزهر.
ولما أعيد فتح الأزهر مرة أخرى للجمعة, فالأزهر لم يغلق يوما عن الصلوات منذ نشأته, لكن أغلقه صلاح الدين لأمور مذهبية ليس هنا معرض الحديث عنها, عاد الأزهر في خلق جديد أقوى وأجمل مما كان عليه مئات المرات.
وكان الأزهر محط أنظار العالم أجمع, وموضع اهتمام المماليك, فهو الجامع الأول, والمسجد الرسمي للدولة, وبه يصلي الخليفة والسلطان, وكان مظاهر الاحتفال والاحتفاء برمضان, أن يركب السلطان مع الخليفة فرسه, بعد صلاة الجمعة الأولى والثالثة في الأزهر, ويشق القاهرة بدء من أبواب القاهرة الشمالية حتى باب زويلة, وتتلقاه العامة عن اليمين واليسار في مشهد مهيب, لا تجده إلا في مصر المحروسة!
وكانت الدراسة تتوقف في رمضان توقفا تاما ثم تعود بعد العيد, لكن مع توقف الدراسة للتفرغ للعبادة والصلاة, لا تتوقف مظاهر الفكر والثقافة وإشعاعات النور والمدنية, فكل يوم وكل ساعة, وتحت كل عمود وفي كل مدرسة من مدارس الأزهر, الملحقة به كالاقبغاوية والجوهرية والطيبرسية مجلس ذكر وعلم, يبدأ فيه الشيخ بالحمد والثناء, والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله, والترضي على أهل البيت الأطهار, ثم يحدثهم الشيخ في درس العصر أو التروايح أو التهجد, عن رمضان ودروس الصيام, وآيات القرآن مفسرا ومبينا لمعاني القرآن في رمضان.
وكانت الأروقة أشبه بخلايا النحل, فمظاهر الترف لا تتوقف, حيث يطبخ في المطابخ الملحقة ما لذ وطاب لرواد تلك الأروقة, من لحم ومرق, وفاكهة مما يشتهون, حتى أن أحد أبواب الأزهر يعرف بباب الشوربة!
وقد رتب الملك قانصوه الأشرف خال الناصر الخزيرة بالجامع الأزهر في شهر رمضان، والخزيرة عصيدة بلحم. . ثم لما جاء الملك قنصوه الغوري ضاعف ذلك في أيامه فرتب في شهر رمضان في مطبخ الجامع الأزهر كل سنة ستمائة وسبعين دينارا ومائة قنطار من العسل وخمسمائة أردب قمح!!
هذا بخلاف ما يمنحه الموسرين ومجاوري الأزهر من التجار والحرفيين علي طلاب الأزهر في هذا الشهر الكريم من منح وعطايا وهبات, وكانت النظرة لطلاب الأزهر, نظرة إجلال وتوقير, فما يعطيه الموسر لا يعد من باب الصدقات بل يدخل في باب الهبات, ونيل البركات, والقرب من آل العلم !
ولما يزل الأزهر مفخما معظما مكرما من كل أمراء العالم الإسلامي ومن سلاطين مصر طوال سني حكمهم.
فمثلا نجد أن عبد الرحمن كتخدا أحد أشهر الأمراء الذين جددوا في عمارة الأزهر وأوقفوا عليه الأوقاف.
زاد في مرتبات الجامع، ورتب لمطبخه في خصوص أيام رمضان في كل يوم خمسة أرادب أرزا أبيض وقنطارا من السمن ولحوما وغير ذلك من المرتبات والزيت والوقود للطبخ، وزاد في طعام المجاورين.
وكانت الأسمطة والموائد السلطانية تمد لإفطار الصائمين والقيام على شئونهم من أجود ما يكون طوال الشهر الكريم بحسب ما ذكر المقريزي!
بجانب تعطيره بالبخور والمسك والعنبر, وتعيين ما يلزم للوقاد من بيت المال, للأزهر خاصه!
هذا بجانب المعاليم والطبيخ لسكان الأروقة من اللحم يوميا !
فكان الأزهر في رمضان أجود ما يكون كأنه الريح المرسله في الهبات والمنح والعطايا, وكان الناس يتقربون لله أولا بحب علماء الأزهر والاغداق عليهم, ثم الصلاة فيه, وتدار فيه حلقات العلم والذكر والصلاة علي النبي طوال الشهر لا تنقطع أبدا.
هذا بجانب الأنوار والاضاءة داخل المسجد وخارجه, والجلوس في حلقات ذكر ومدح لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحن المسجد.
وكذا توزيع الحلوي والمرطبات خصوصا في العشر الاواخر حيث يكثر الاعتكاف, فكان الأزهر بمثابة الكعبة التي يتلقي بها رمضان مع أحبابه ومريديه, وكان الأزهر النموذج الأمثل لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن رمضان
يا باغي الخير أقبل ... فهو منزل الأخيار الأبرار, وكعبة الزوار, ومحط البركات والرحمات والنفحات, حفظ الله الأزهر ورجاله وحيا الله كعبة العلم ورفع رأيتها, وجعل رمضان خيرا وبركة علي الأزهر ومصر والأمة الإسلامية
كتبه خادم السيرة النبوية المطهرة
د – محمد سالم الصعيدي.


طباعة

Please login or register to post comments.

x
Copyright 2024 by Al-Azhar Al-Sharif Terms Of Use Privacy Statement
Back To Top