Language
Menu

Search


mona dsouky
/ أبواب: اخبار

د. عبدالحميد العبيسي البلاغي الذي مات في محراب علمه

 

د. أحمد عيد

      كان من المقرر في جدولنا الدراسي عام 1999/ 2000م أن يُدرس لنا العالم الجليل جزءًا محددًا من مقرر البلاغة الذي اقتضت طبيعة نظام الفصلين الدراسيين أن يشترك في تدريسه ثلاثة من الأساتذة الأجلاء: أ.د/ نزيه عبد الحميد السيد فراج، وأ.د/ محمود عبد العظيم عبد الله صفا، وأ.د/ عبد الحميد محمد حسن العبيسي، وكان ثالثهم معروفًا بشخصيته القوية الفريدة علمًا وخلقًا ومنهجًا وأسلوبًا، وكان جسيمًا طويلًا مهيبا وَجِيهًا، دخل إلينا مدرج الإمام الأكبر الشيخ/ إبراهيم حمروش؛ ليُلقِي علينا محاضراتِ علم البديع، وفي المحاضرة الأولى في مستهل السنة الرابعة بكلية اللغة العربية بالقاهرة طَوَّفَ بنا في تاريخ البلاغة العربية وتطور مصطلحات فنونها من عصر إلى عصر، ومن كتابٍ إلى كتابٍ، ومن عالمٍ إلى آخر، حتى استقرت على هذا الوضع المتداول في كتب المتأخرين، ولا شك أن هذا الأسلوب العالي يناسب طلاب الدراسات العليا لا طلاب مرحلة الإجازة العالية "الليسانس"، لكنَّهُ الشيخ العُبَيْسِيّ علْمًا ووجاهةً وغزارةً، ثُمَّ استطرد استطرادًا وثيق الصلة بموضوع محاضرته عندما ذكر شاهدًا بلاغيًّا للخنساء– رضي الله عنها - في رثاء أخيها صخر في الجاهلية، وكيف كان بكاؤها عليه بكاءً فريدًا شديدًا مديدًا، صورته قصائدها تصويرًا بديعًا لا مرية فيه.

      استطرد إلى ذكر الموت، وما ينزل بالناس وبخاصة أهل الريف المصري، حين يموتُ شخصٌ عزيزٌ في قومه، محبوبٌ في أهله. فبُكاء الخنساء على أخيها صخر لا يكاد يُماثِلُه في شدته وصدقه إلا بُكَاءُ أهلِ الميت في الريف المصريّ على نفيسهم الراحل.

      ثمَّ خرج من محاضرتنا، وقضى أمورًا سريعًا، وذهب إلى مكتب وكيل الكلية ليجد ملك الموت في انتظاره؛ لأنَّ الأجل قد جاء، والموت قد حضر، وأجلُ الله إذا جاء لا يُؤخَّر

وقد كنت  في كليتنا العريقة  منذ أيام، وأثناء شروعي في الخروج منها إلى بيتي قابلت الأستاذ الدكتور فتحي عبد الرحمن حجازي، وهو الرجل علمًا وخلقًا وحبًّا وصلاحًا وصفاءً ووفاءً، أُحِبُّهُ في الله تعالى ويُحِبُّني، وأُقَدِّره ويُقَدِّرني، وانتقل الكلام بعد الترحاب إلى الحديث عن العالم الجليل أ.د عبد الحميد العبيسي الذي كان مهيبا في كلامه متفرِّدًا في معاملته،  وعندما   وصل أستاذنا د/ فتحي  إلى الكلام عن يوم وفاته قاطعته قائلًا: كان عندنا ونحن طلاب بالفرقة الرابعة في أول محاضرة، واستطرد فيها للكلام عن الموت وما يُصاحبه من حزن شديد في الريف المصري عند فقد عزيز أو رجل محبوب، ثم خرج من المحاضرة وتوفي في مكتب وكيل الكلية جالسًا مع بعض زملائه، فأكمل أستاذنا د/ فتحي حجازي قائلًا: خرج من محاضرتكم، وذهب إلى موظف الخزينة أ/ عزت، ووقع على جميع كشوف الصرف ولم يأخذ مستحقاته، بل قال للأستاذ / عزت، أعط الناس أولًا، ثم تركه ودخل عند عميد الكلية أ.د/ عبد الغفار حامد هلال في أمر ما، ثم ذهب إلى مكتب الوكيل، وكان أ.د/ عبده زايد جالسًا بجواره يتحدثان معًا، فمال برأسه ناحيته، فقال له: هل نمت يا مولانا؟ فلم يَرُدَّ عليه، ونزل عن الكرسي الذي كان جالسًا عليه، ومدَّ رجليه ناحية القبلة مستلقيًا على الأرض، وخرجت روحه إلى بارئها عز وجل، وكان أ/ عزت قد جمع مستحقاته المالية التي وقَّع عليها ولم يأخذها في ظرفٍ، وظلَّ معه إلى أن سَلَّمه إلى ابنة العالم الجليل حين حَضَرَتْ.

      وأما عن مسيرة العالم الجليل العلمية في حياته الجامعية، فقد حصل على الإجازة العالية"الليسانس" في الشعبة العامة من كلية اللغة العربية بالقاهرة، عام 1963م، وحصل على درجة التخصص"الماجستير" في البلاغة والنقد عام 1966/ 1967م، بتقدير: "جيد جدًّا"، وكان موضوعها: (سعد الدين التفتازاني وجهوده في البلاغة العربية)، بإشراف أ.د/ كامل إمام الخولي.

      ثم حصل على درجة العالمية "الدكتوراه"في البلاغة والنقد بتقدير: " مرتبة الشرف الأولى" في عام 1971م، وكان موضوعها: (ابن سنان الخفاجي وأثره في النقد والبلاغة) بإشراف أ.د/ كامل إمام الخولى، وعُيِّنَ مدرِّسًا في قسم البلاغة والنقد بالكلية العريقة من 24/ 2/ 1972م إلى 8/ 3/ 1977م، حيث تمت ترقيته إلى درجة "أستاذ مساعد" في البلاغة والنقد، من 9/ 3/ 1977م إلى 5/ 1/ 1988م، فقد رُقِّي إلى درجة "أستاذ" بتاريخ 6/ 1/ 1988م.، وقد أشرف العالم الجليل على عدد من الرسائل العلمية المسجلة في تخصص البلاغة والنقد، لمرحلتي التخصص "الماجستير"، والعالمية "الدكتوراه" إشرافًا أساسيًّا أو مشاركًا وتخرج على يديه آلاف الباحثين وطلاب العلم، رحمه الله وطيب ثراه وأسكنه فسيح جناته جزاء ماقدم من علم نافع.

الموضوع السابق "هيئة كبار العلماء في سير أعلامها القدامى" كتاب يكشف قصص ووثائق نادرة في حياة علماء الأزهر
الموضوع التالي اختيار د. محمد المحرصاوي نائبًا لرئيس مجلس إدارة اتحاد الجامعات الإفريقية
طباعة
53 Rate this article:
لا تقييم

Please login or register to post comments.

x

محبة وسلام




Copyright 2024 by Al-Azhar Al-Sharif Terms Of Use Privacy Statement
Back To Top