Language
Menu

Search


12345678910الأخير

محبة وسلام

بيتنا واحد تسكنه أفكار ومذاهب متباينة، وتجمعه أهداف واحدة لخدمة الإنسانية
mona dsouky
/ أبواب: محبة وسلام

بيتنا واحد تسكنه أفكار ومذاهب متباينة، وتجمعه أهداف واحدة لخدمة الإنسانية

أ.د. محمد أبو زيد الأمير، نائب رئيس جامعة الأزهر، منسق عام بيت العائلة المصري

لماذا نبحث عن الاختلاف، وبيننا قيم وأخلاق توحدنا وتجمع شملنا!!

 

أستاذ اللغات والترجمة بجامعة الأزهر حصل على وسام الأسد الذهبي من  بطريرك الروم الأرثوذكس.

 

   يجمع ممثلين لمختلفي الأفكار الدينية والمذهبية، تختلف معتقداتهم وطوائفهم لكن تتفق أهدافهم وأعمالهم؛ فهم في المحبة والخير جنود مسخرة لخدمة الإنسانية، إنه بيت العائلة المصري الذي تأسس في 2011م؛ ليتناوب على رئاسته الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، ونيافة بابا الكنيسة المرقسية، وينسق أعماله الدكتور محمد أبو زيد الأمير، فنستوضح منه دور البيت في لمِّ الشمل المصري.

 

-كيف بدأت فكرة بيت العائلة؟

   بدأت الفكرة بمبادرة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في أوائل  2011م عندما كان في زيارة لقداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية؛  لتقديم العزاء له في شهداء كنيسة القديسين، فحازت القبول والترحيب؛ فبدأ التنفيذ الفعلي لتحقيقها، وصدر بها قرار رسمي من  رئيس مجلس الوزراء، وكان تأسيسها برئاسة شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لتجمع في عضويتها ممثلي الطوائف المسيحية وعلماء الأزهر في مصر وعدد من الخبراء والمتخصصين؛ بهدف الحفاظ على النسيج الوطني الواحد لأبناء مصر، والاتصال والتنسيق مع جميع الهيئات والوزارات المعنية في الدولة لتحقيق ذلك، وعقد المؤتمرات واللقاءات فى جميع المحافظات؛ للتأكيد على القيم العليا والقواسم المشتركة بين الأديان والثقافات والحضارات الإنسانية المتعددة، وبلورة خطاب جديد ينبثق منه أسلوب من التربية الخلقية والفكرية، بما يناسب حاجات الشباب والنشء، ويشجع على الانخراط العقلي في ثقافة السلام، ونبذ الكراهية والعنف، وإرساء أسس التعاون والتعايش بين مواطني البلد الواحد، ورصد واقتراح الوسائل الوقائية؛ للحفاظ على السلام المجتمعي.

 

-ماذا تقول عن الوحدة الوطنية في وقتنا الحالي؟

   أنا لا أقول وحدة وطنية؛ لأني أرى أننا نسيج واحد، فنتحدث عن الوحدة إذا كانت هناك فرقة، وبفضل الله دولتنا عصية على الفرقة، وقد حدثت فتن كثيرة لكن حكمة المصريين غلبتها؛ ولهذا فإن اختيار مسمى (بيت العائلة) كان في غاية الذكاء فلم يسمى بيت الوحدة الوطنية ولكنه بيت العائلة المصرية، فجميع رعايا الدولة الآن  من مسلمين وغير مسلمين سواء في حرمة الاعتداء على شيء من أموالهم أو دمائهم أو أعراضهم.

 

-ربما يرى كثيرون أن هذا كلام إنشائي؟

  نعم، هناك من يقول ذلك؛ لأنه لم يقرأ التاريخ أو الحاضر بتأنٍّ، ودعني أذكر ببعض الأمثال؛ الشيخ أحمد محمد الحملاوي، وهو  أحد علماء الأزهر الشريف (1856-1932م ) عالم لغوي حجة له مؤلفات ذائعة في الصرف والبلاغة، منها: (شذا العرف في فن الصرف) و(زهر الربيع في المعاني والبيان والبديع) تحدث عن تماسك الشعب المصري وقوته في الدفاع عن وطنه على الرغم من اختلاف رسله ودينه، فقال:

 

            فالكل بالروح يفديها وينصرها   وإن هم اختلفوا رسلًا وأديانا

           القلب مؤتلف والدين مختلف      لكن تراهم أمام الأم إخوانا

 

   وهو ما يؤكد أنه يتحدث عن بيت واحد، تختلف أفكاره وربما دينه لكنه في النهاية يجلس مع بعضه، ويضحي كل فرد لأجل شقيقه، وقد كان هذا المعتقد موجودًا عند بعض الناس في بداية تأسيس البيت بأنه مجرد اسم، وأنه سيكون حبرًا على ورق لكن أثبتت الأيام عقب تأسيسه عكس ذلك، وظهر دوره الكبير في وأد الفتنة الطائفية، وحل عديد من النزاعات، مما شهد به العقلاء والمتابعون للأحداث.

 

-معنى ذلك أن هناك عوامل مشتركة كثيرة تجمع بينكم؟

   بالفعل هناك عوامل كثيرة ويصعب حصرها، ولكن أذكر منها: التعايش؛ فقد اتفقت المسيحية واليهودية عليه فنجد فى العهد القديم الذي يعد الكتاب الأساسي لليهودية: (لا تغضب قريبك ولا تسلب ولا تبت أجرة أجير عندك إلى الغد)  وفي "إنجيل متى" نجد: (وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركو لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلوا لإجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) (الإصحاح الخامس آية 44) كما نجد فى آيات الكتاب المقدس: (المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة) ومن أقوال المسيح -عليه السلام-: (من أراد أن يحيا ويرى أيامًا صالحة يصنع الخير ويطلب السلام) كل هذه قيم إنسانية رفيعة تحض على التعايش السلمي والصفح عن الناس؛ من أجل أن يسود السلام والمحبة على الأرض، وإذا انتقلنا إلى الإسلام فإنه يحض عليه ويشدد على فعله وتنفيذه في كل مناحي الحياة حتى وإن اختلفت ملة ودين من يتعامل معه ولو كان كافرًا لا دين له؛ فيجعل الله الفصل في الاختلاف بين الأديان له وحده لا لأحد غيره؛ إذ يقول:  {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} (الحج، آية: 17).

 

-كيف تواجهون الأفكار المتطرفة في بيت العائلة؟

   نعقد جلسات متكررة؛ للتعرف على الأفكار التي من شأنها أن تعكر صفو المجتمع، وبصدق النوايا والعزيمة نصل لأرضية مشتركة نقضي فيها على هذه الأفكار في مهدها، ولدينا في الدين الإسلامي والمسيحي مساحات رحبة للتسامح ونشر المحبة والسلام؛ فالمسيح -عليه السلام- يقول: (طوبى لصانعي السلام) ونحن في ديننا الإسلامي كما يقول الإمام محمد عبده: (لقد اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر).

 

-كيف ترى العلاقة بين الأزهر وجميع الطوائف المسيحية؟

   نتعامل مع الجميع وحدةً واحدةً، ونحترم فكر كل فرد، لكم دينكم ولي دين، فنحن لسنا جهة محاسبة، والله خلقنا لنعمر الأرض أما العبادة فأمرها له هو الذي يحاسب عليها، والأخلاق هي التي تعبر عن مذهب كل شخص؛ ولهذا تجد تقدير لنا كأزهريين؛ لأننا نحسن التعامل، ولا نتدخل في الخصوصيات، وأذكر أن أحد أساتذة الأزهر وهو الدكتور طارق رضوان، الأستاذ بكلية اللغات والترجمة، كان يعمل مستشارًا ثقافيًّا للسفارة المصرية في اليونان وفي نهاية خدمته كرمه بابا وبطريرك الروم الأرثوذكس بالإسكندرية بوسام الأسد الذهبي؛ تقديرًا لجهوده في توطيد العلاقات بين مصر واليونان، ويحضرني هنا أن الأديب المسيحي وديع فلسطين حكى عن ذكرياته مع الشيخ الأزهري الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، جاحظ العصر الحديث فقال: هو أعز صديق؛ عرفته من طريق صديقي الشاعر أحمد زكي أبو شادي؛ فبعد هجرة أبي شادي إلى أمريكا؛ فوجئت بشيخ أزهري معمم؛ يقتحم عليَّ باب مكتبي في جريدة «المقطم» في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، ويهجم عليَّ ويعانقني بحرارة، فاستغربت تصرفه الغريب هذا؛ فقلت له: ومن أنت؟! فقال: أنا الشيخ خفاجي؛ وأوصاني الدكتور أبو شادي بصداقتك. ومن هنا بدأت علاقتي بالشيخ خفاجي، وامتدت صداقتنا طويلًا، وهو أكثر أديب كتب عني، وكان كل من يرانا في ندوة الأدب الحديث في القاهرة، التي كان يرأسها؛ يظن أننا توأم»، ومن طريف ما يذكر أنه بعد أن توطدت العلاقة بينهما (د خفاجي ووديع) احتاج وديع لشهادة موظف حكومي على بعض الأوراق الخاصة به والتوقيع عليها، فختمها خفاجي بخاتم عمله بجامعة الأزهر، ولما استلم الأستاذ وديع أوراقه مستوفاة راجع الدكتور محمد خفاجي فيها قائلًا له: "أنا قبطي يا مولانا"، فأجابه على الفور: "نعم أعلم ذلك جيدًا"، ومنذ ذلك لا ينسى الأستاذ وديع هذا الموقف الإنساني للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي رحمه الله.

 

الموضوع التالي الإسلام أوجب على أتباعه حماية الكنائس
طباعة
35 Rate this article:
لا تقييم

Please login or register to post comments.

x



Copyright 2024 by Al-Azhar Al-Sharif Terms Of Use Privacy Statement
Back To Top