محمد جمال بين جامعة الأزهر وجامعة لندن
- حفظ القرآن وألفية ابن مالك ومنظومة البيقونية وأجاد ثلاث لغات أجنبية
- إنجلترا فتحت له أبوابها.. والأمير تشارلز كرَّمه في قصره
محمد جمال عبد النور باحث أزهري في مقتبل العمر لم يتخط الحادية والثلاثين عامًا، وُلد في قرية جزاية، إحدى قرى محافظة الجيزة عام 1990م، في أسرةٍ تهتم بتحفيظ أبنائها القرآن الكريم وإلحاقهم بالأزهر الشريف.
حفظ جمال القرآن الكريم في سن الحادية عشرة في مكتب التحفيظ التابع للجمعية الشرعية، ثم جَوَّده على يد عَمِّه الشيخ عبد الناصر مطاوع، شيخ القرآن والقراءات بالأزهر، والشيخ عبد الرحمن توفيق، ثم درس علوم الأزهر اللغوية والشرعية حتى حفظ ألفية ابن مالك في علمي النحو والصرف، ومختصر صحيح البخاري للإمام الزبيدي، وغيرها من متون علوم الفقه وأصوله.
بعد إنهائه التعليم الثانوي الأزهري، الذي كان ترتيبه فيه الأول على محافظة الجيزة، التحق جمال بكلية أصول الدين ليدرس الحديث والتفسير، ثم ليتخصص في العقيدة والفلسفة ومقارنة الأديان، وما إن التحق جمال بكلية أصول الدين حتى أنشأ الإمام الأكبر الدكتور الطيب مركز الأزهر لتعليم اللغة الإنجليزية للمتفوقين بالكليات الشرعية، ولمَّا كان جمال الأول على دفعته بالكلية كان من أوائل الملتحقين بهذا المركز، فدرس به لمدة 3 سنوات على يد مدرسين بريطانيين ومصريين، تقدَّم فيها في دراسة اللغة الإنجليزية، وسافر خلالها إلى المملكة المتحدة مرتين لإتمام دراسة اللغة الإنجليزية علي المستوى الأكاديمي، ثم عُيِّن معيدًا بكلية أصول الدين عام 2013.
أراد جمال أن يُعَمِّق فهمه للديانات الأخرى، فاتجه عام 2013 إلى إنجلترا للمرة الثالثة ليحصل على ماجستير الأديان عام 2015، وما إن حصل على الماجستير ثم رجع إلى الأزهر حتى تاقت نفسُه للدكتوراه، وبعد أن حصل على منحة الأزهر/المملكة المتحدة للدكتوراه في الدراسات الدينية، اتَّجه إلى كلية سواس في جامعة لندن، التي تُعد أهم كلية في العالم من حيث الاهتمام بعلوم الشرق الأوسط وإفريقيا، لدرجة أن بعضهم يطلق عليها «أزهر الغرب»، وهناك أشرف عليه البروفيسور محمد عبد الحليم المصري الأزهري/الدرعمي، صاحب إحدى أهم ترجمات القرآن الكريم المعاصرة، والدكتورة Erica Hunter التي أشرفت على الجزء المتعلق بالديانة المسيحية في رسالته، والدكتور مصطفى شاه المتخصص في الدراسات الإسلامية بـ«سواس». أفاد جمال من مشرفيه إفادة عظمى، كما أفاد من مكتبة الكلية التي بها عدد مهول من المخطوطات والنوادر، حيث تحوي تقريبًا 2 مليون كتاب ومخطوط ومقال، إضافة إلى المؤتمرات وورش العمل التي لا تكاد تتوقف، فضلاً عن وقوع الكلية في قلب لندن، ما أتاح له التواصل مع المكتبات الكبرى في لندن كالمكتبة البريطانية. أتم جمال رسالة الدكتوراه في ثلاثة أعوام، وناقش رسالتَه عام 2019 بجامعة كامبريدج، وقد ناقش رسالته الأسقف الأكبر لكنيسة كانتربري، Rowan Williams، أستاذ المسيحية بجامعة كامبريدج، والدكتور Ian Netton أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة إكستر.
في غضون هذه السنوات، حصل جمال على فرصة للتدريس بالجامعة أثناء وبعد حصوله على الدكتوراه، فدرَّس النصوص القرآنية والحديثية والصوفية باللغة الإنجليزية لطلاب الماجستير ومراحل قبل التخرج، كما انتهى من نشر رسالته للدكتوراه في كتاب يخرج قريبًا عن دار بريل الدولية للنشر، وهو حاليًا يعمل على الانتهاء من كتابه الثاني، الذي يعمل على تطوير نظرية في مقاصد العقيدة الإسلامية على غرار مقاصد الشريعة الإسلامية.
إن دراسة الإسلام بالأزهر فتحت لـ«جمال» آفاقًا لم تكن لتنفتح دونه، أهمها تمكينه من أدوات التراث الإسلامي اللغوية والشرعية، الذي منحه القدرة على التعامل مع كتب التراث واكتناه أسرارها، ثم إنها غرست قي عقله التعددية المذهبية التي يرسخها الأزهر في أبنائه منذ نعومة أظفارهم، فيتخرجون من الأزهر وهم يدركون أن التعدد والاختلاف سنة من سنن الله في خلقه؛ فلا يضيقون ذرعًا بكل من يخالف ما هم عليه، بل يسعون إلى اكتساب المعارف من حيث أتت، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحكمة ضالة المؤمن؛ أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها».