Menu

Search


12

قدرات خاصة

لحظة وفاء ...
mona dsouky
/ أبواب: قدرات خاصة

لحظة وفاء ...

د. زكي عثمان، أستاذ ورئيس قسم الثقافة الإسلامية الأسبق بكلية الدعوة

 

 حُمًى أفقدته بصره وشلت حركته فقرر أن يحول حياته من الظلام إلى النور.

15 عامًا دون شهادة ميلاد ... والقرآن شفيعه للالتحاق بالأزهر.

 

   أصيب في صغره بحمى شلت حركته وأفقدته بصره فصار فى ليلة وضحاها قصة تترد على لسان الأهل والأقارب.. تلوكها الألسن، وتتبعها الحسرات والدعوات الملحة بأن يموت ويرحم والديه؛ لأنه في نظرهم صار عبئًا على الأسرة، وبعد أن فشلت محاولات الأطباء في علاجه  -عددت النساء عليه - ومن عادات أهل الصعيد أنهم يعددون على الميت الذي يفارقهم، فعددوا عليه وهو حي، فظل حبيس المنزل، وكان الراديو جليسه وأنيسه، نهل منه الثقافة والسياسة والاقتصاد والتربية وتعلم الإنجليزية من خلال برامجه، وأخذ منه الطموح من خلال البعد الدرامي؛ فقد شغف بمتابعة مسلسل: "الأيام" لطه حسين، وحلم أن يكون مثله، ولأن البصر يتوقف لكن البصيرة تتحرك فعندما كان يذهب أشقاؤه للمدرسة ويستمع للإذاعة المدرسية فعل مثلهم على طريقته، فأحضر جالون الجاز وأحيانًا لمبة مكسورة لترديد الصوت مثل الميكروفون، وعقد إذاعة متكاملة مع نفسه يقرأ القرآن بصوت عال، ويخطب  وكأنه  يوعظ الناس فاجتمع الناس حوله معجبين بصوته، لكنهم توهموا بأنه جن أو فقد عقله، إلى  أن جاء الفرج ليتقدم للالتحاق بالأزهر، لكنه لم يكن يحمل شهادة ميلاد على الرغم من عمره الذي تخطى السادسة عشر، فحمله والده بعد أن قال له أقاربه: إنه يحفظ القرآن لعله يصير تُربيًّا "يقرأ على المقابر"، لكن والده حقق رغبته، وفرح زكي فرحًا شديدًا فهذه أول مرة في حياته يركب الأتوبيس، ويخرج من المنزل، وكانت الصورة الداخلية للأزهر عنده أنه سيجلس على حصيره أمام شيخ يمسك عصا، ولكن عندما دخل لجنة الامتحان وجلس على الكرسي المصنوع من الجلد شعر بغير ما تصور، ونجح في الامتحان، وبدأ الدراسة في الصف الأول الإعدادي، واستثني من الابتدائية؛ لحفظه  للقرآن الكريم، وكان يذهب إلى المعهد إما محمولًا على الأكتاف، أو زاحفًا على الأرض، سواء في الصيف أو الشتاء؛  ليتلقى التعليم بالسماع، وفي الصف الثاني الإعدادي سأله مدرس الفقه: ما الفائدة من عملك يا زكي؟ اقعد في البيت أفضل  لك من الزحف، فلن تستفيد شيئًا من تعليمك!  فحزن  من كلامه؛ لأن الشيخ الذي قال له ذلك كان كفيفًا مثله، لكن زكي أصر على تحويل حياته من الظلام إلى النور، ولم ينس في حياته موقفين؛ الأول: كان لرجل انتشله  من الأرض في الشتاء وحمله على الرغم من تلطخ يدي زكي بطين الأرض، ثم وضعه في أتوبيس وطلب من السائق أن يهتم به، والثاني: عندما كان يخرج من الجامع الأزهر الذي اعتاد المذاكرة فيه فإذا بسيدة تساعده وتركبه التاكسي، وفي اليوم الثاني تنتظره  لتؤدي له أية خدمات يطلبها، وظلت تسأل عنه  لفترة وطلبت منه أن تقرأ له وتساعده ولكنه تهرب منها؛ لأنه لا يريد أن يكون عبئًا على أي إنسان، لقد ناضل الهرم الصبور زكي عثمان إلى أن حصل على ليسانس في الدعوة، وآخر في التفسير بكلية أصول الدين، ثم  الماجستير والدكتوراه، وألف أكثر من 30 مؤلفًا علميًّا، وأشرف على عديد من الرسائل العلمية، وعاش في الدنيا لا يملك من زخارفها إلا حجرة صغيرة في حي شعبي بمنطقة حدائق القبة، تمتلئ بأرفف الكتب، ينام بينها على سريرٍ صغير، ومنضدة تحمل هي الأخرى عددًا من الكتب وجهاز تليفون وتليفزيون صغير،  وفي الزاوية الكرسي الخشبي الذي يجلس عليه تلميذه –المرافق له - ثم ترك الدنيا في 2015م والبسمة قد ارتسمت على وجهه؛ فهو الكفيف الذي علم المبصرين، والقعيد الذي مشى على نهجه العلماء والعظماء.

 

الموضوع السابق ذوو البصائر
الموضوع التالي مقررة لجنة البيئة
طباعة
28 Rate this article:
لا تقييم

Please login or register to post comments.

x



Copyright 2024 by Al-Azhar Al-Sharif Terms Of Use Privacy Statement
Back To Top