Menu

Search


12

قدرات خاصة

mona dsouky
/ أبواب: قدرات خاصة

قائد العميان ضرب نابليون بونابرت على وجهه، وقال له : هذه يد الشعب وليست يدي

الشيخ سليمان الجوسقي

 

   استطاع الشيخ سليمان الجوسقي بذكائه وحكمته أن يكون زعيمًا للعميان، وقائدًا لهم يطالب بحقوقهم، فيمتثلون لأوامره؛ فهو المنقذ لهم والراعي لشئونهم، يرفض أن تكون النظرة للمكفوفين هي الشفقة والعطف فهم بشر يقوون على الحركة والدفاع، فأدار لهم الأوقاف، وجمع منهم ما فاض من الأموال، وأنشأ لهم مشروعات تكفل لهم المعيشة الكريمة، وجعلهم مقاومين للاحتلال الفرنسي في 1798م، فكان يخطب في المصريين، ويحفزهم على الثبات في وجه المدافع، فيقف فيهم خطيبًا: (إنكم بشر مثلكم مثلهم، فاخرجوا إليهم؛ فإما أن تبيدوهم أو يبيدوكم)، وكلف العميان بأن يتحسسوا الأخبار وينقلون أخبار المعسكر الفرنسي لرموز المقاومة الشعبية في مصر حينها، وكان يرسل أتباعه من جيش العميان إلى الوجهاء والمشايخ وزعماء المدن والقرى، وطلب من العميان أن يقوموا بعمليات اغتيال فيقفون أمام حانات الخمور التي  يرتادها الجنود الفرنسيون بحجة التسول، فيأتي الجندي الفرنسي السكران ويعطيه المال، فعندما يمسك بيد الفرنسي يشدها إليه ويعطيه طعنة ويلوذ بالفرار، وكان دائم الحث على الصمود وقتال الفرنسيين، ويدعم شراء الأسلحة، وعندما علم نابليون بونابرت أن الشيخ الجوسقي من الشيوخ المحرضين على قتال الفرنسيين قرر إلقاء القبض عليه، وحينما مثل بين يديه أعجب نابليون بذكائه، فأراد أن يستميله؛ لأن شيخًا أعمى مثله كون جيشًا من العميان، وقام بهذه الأعمال سيكون إضافة له إذا صار في صفه، واستمع الشيخ لعروض نابليون بكل شموخ واستعلاء، وكان يُعلّق على كلّ عرض ساخرًا ومستهزئًا بالعرض وصاحبه، حتى نَفِدَ صبر نابليون الذي أحسّ بالهزيمة أمام هذا الأعمى، وهو الذي قهر جيوش أوروبا وملوكها، ولكنّه تماسك قليلًا وأراد أن يداعب أحلام الشيخ سليمان، فعرض عليه أن يكون سُلطانًا على مصر كلِّها، وزعم له أنه لم يجد في مصر مَنْ هو في مثل كفاءته وقوته وقُدرته على تسيير الأمور، وتظاهر الشيخ الأعمى بالقبول ومدّ يده إلى نابليون، كأنه يريد أن يبايعه، ويعلن رغبته في التعاون معه، وابتسم ابتسامة ساخرة، فمدّ نابليون يده فرحًا، ظنًّا منه أنه تغلَّب على هذا الشيخ الأعمى، وكسبه إلى جانبه، حتى إذا أمسك الجوسقي بيده اليمنى يد نابليون لطمه بيده اليسرى لطمةً صبّ فيها كل ما في نفسه من آلام وأحزان وثارات وأحقادٍ على المستعمرين الغزاة، فجُنّ جنون القائد المنهزم نابليون، قاهر الملوك والجيوش، وأمر بقتل الرجل، فاقتيد إلى سجن القلعة؛ لاستجوابه ومحاكمته وإعدامه، وعلى الرغم من إدانته لم يعدم مع قادة الثورة الذين أعدمهم الفرنسيون؛ لكونه كفيفًا، وظل في السجن عدة شهور حتي لقي ربه، وقيل: أعدم مثل أقرانه، وقد سجل الأديب علي أحمد  باكثير هذا الموقف في مسرحيته: "الدودة والثعبان"، وقال على لسان الشيخ سليمان الجوسقي: معذرة يا بونابرت هذه ليست يدي، هذه يد الشعب.

 وعلق الدكتور الحسيني حماد، عضو هيئة التدريس بقسم التاريخ بكلية اللغة العربية بأسيوط، قائلًا: كان للشيخ الجوسقي دور كبير في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وقد واجه الفرنسيين بخطبه وتلاميذه، لكن صفعته لنابليون بونابرت ربما انتشرت بسبب ذكرها في الإطار الدرامي للمسرحية، ولم أقف عليها في كتب التاريخ، لكن الثابت أنه كان قائدًا مفوهًا، فقد قال أحد العميان: وما ذا في طاقتنا أن نصنع إزاء حرب الفرنسيين وقد حرمنا نعمة البصر فما ندري إلى أين نسير، والله يقول : {ليس على الأعمى حرج}؟، ولم يكد الطالب يتم قولته حتى انفجر الشيخ كالبركان قائلًا: ألا لعنة الله عليكم إن كان هذا هو مدى إدراككم ويقينكم، نعم، لا حرج عليكم فيما هو من شئونكم الخاصة، ولكنكم اليوم إزاء كارثة حلت بدار الإسلام، وإنها لآخذة برقابكم جميعًا، والله يقول: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، فانفروا إلى الناس في دورهم، وحيث هم في أعمالهم، وتفرقوا على أبواب الطرق والحارات، وقولوا لكل مَنْ لقيتم: إنكم اليوم بين شقي الرحى، وإن الفرنسيين قد استباحوا حرماتكم، وأهانوا شرفكم، ونهبوا أموالكم، وبدلوا دينكم، فلا عزة لكم بين الأمم، ولا كرامة لكم عند ربكم إذا ما رضيتم بهذا الأمر فيكم، ووقف الشيخ في انفعال وقوة، وأخذ يصرخ قائلًا والدموع تنحدر على خديه: والله ما قام عمود هذا الدين إلا بالجهاد، ولا أزهرت شجرة الإسلام إلا بدماء الشهداء، ولقد خاض رسول الله الحرب حتى شج وجهه وكسرت رباعيته في سبيل الله، واستشهد سادتنا من الصحابة والتابعين، فلعنة الله علينا إن كنا من القاعدين بعد اليوم.. ثم اندفع الشيخ واندفع معه طلابه إلى الخارج وهم يصيحون: إلى الجهاد والاستشهاد، إلى الموت في سبيل الله .. وكانت الثورة.

الموضوع السابق مقررة لجنة البيئة
الموضوع التالي لهذه الأسباب ...الكفيف ممنوع من كلياتٍ في الأزهر بأمر التنسيق!
طباعة
79 Rate this article:
لا تقييم

Please login or register to post comments.

x



Copyright 2024 by Al-Azhar Al-Sharif Terms Of Use Privacy Statement
Back To Top